أصلح ذلك الشاب الطويل الأسمر من هندامه وهو يلج
قصر الامير العباسي أحمد بي المعتصم فأستقبلته اللجنة
المنوط بها إجازة القصائد التي ستلقي علي الأمير واللجنة
مكونة من شيخين عالمين جليلين من أكابر علماء اللغة
التي إزدهرت في هذا العصر أيما إزدهار وقف الشاب الذي
لم يتخط العتبات الأولي من الثلاثين أو دون ذلك هذا
الشاب هو حبيب بن أوس الطائي الشهير بأبي تمام .
بدأ أبو تمام قصيدته بقوله
أهنّ عوادي يوسف وصواحبه *** فعزماً فقدماً أدرك النجح طالبه
وكان هذا المطلع ذا إشارات بعيدة لقصة سيدنا يوسف
وحديث الرسول صلي الله عليه وسلم في شأن النساء
وعادة العرب في تركهن وراءهم إبتغاءاً للنجاح في أمر
ما.....
إستمع الشيخان لهذا المطلع وهزّا رأسيهما باستنكار قبل
أن يقولا له:
لماذا تقول ما لا يفهم عاجلهما أبو تمام بقوله :
ولماذا لاتفهمان ما يقول؟!
تعجبا من سرعة بديهته وقد إستحسنا منه هذا الجواب
وقدماه إلي الأمير ليلقي قصيدته التي بدأها بقوله:
مافي وقوفك ساعة من بأس*تجلو ذمام الأربع الأدراس
حتي وصل إلي قوله مشبهاً الأمير بهذه الشخصيات
إقدام عمرو في سماحة حاتم*في حلم أحنف في ذكاء إلياس
وكان الفيلسوف الكندي حاضراً في المجلس فابتدره قائلاً:مازدت علي أن شبهت الأمير بسفهاء العرب فرد عليه أبوتمام في الحال ببيتين ضمّنهما القصيدة ولم يكونا ضمنها من قبل
لا تنكروا ضربي له من دونه* مثلا شرودا في الندي والبأس
فالله قد ضرب الأقل لنوره*مثلا من المشكاة والنبراس
يشير إلي قوله تعالي"مثل نوره كمشكاة فيها مصباح..."
فتعجب منه الحاضرون ومنهم الفيلسوف الكندي الذي قال:إن عقل هذا الفتي ينحل في جسمه كما ينحل السيف في قرابه ولن يعيش طويلاً!!!
الغريب أن أبا تمام ما تجاوز الثامنة والثلاثين حتي تخطفته المنية
محمد الخليفة المغازي