كتب هذه المقدمة الأستاذ المربي الفاضل عكاشة محمد علي عكاشة ( عكاشة علوب ) رحمه الله
اجابة علي سؤال من الشيخ خليل ابوالنور عن جده الشخ خليل ابو جنزير المسمي باسمه الميدان الشهير وسط الخرطوم
الشيخ أبو جـنــــــزير(1)
وثائق للتاريـخ ((1) الأستاذ: الشيخ خليـل أبـو النـور (حفيد أبو جنزير)، القـوم، العـدد الثـاني، ديسمبر 1985م.)
طلبت من أستاذي الـمربي الكبير الأستاذ عكاشة محمد علي من رجال التربيـة بالولاية الشـماليـة حيث أفنى شبابه فـي تعليـم الناشئـة وترشيـد وتثقيـف الكبـار إلى أن تقـاعد ولا زال يعطي من الـمعرفة مـد الله فـي عمره، طلبت منـه أن يلقي الضـوء على سيرة جدنا أبو جنزير الذي يرقد بالخرطـوم فـي الـميـدان الـمسمى باسمه.. وهذا نص ما كتبه أستاذنا..
........................................................................
بسم لله الرحمن الرحيم.. والصلاة والسلام على أشـرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.. وبعد فبذكر الصالحين تنـزل الرحمات وتتجلى القلوب لأن الصالحين خصهم الله برحمته واتخذهم أولياءه الذين أحبهم الله ورسله وخلقه وقول يوسف عليه السلام {توفني مسلما وألحقني بالصالحين}.. اللهم ألحقنا جميعا بالصالحين وبعد فأقول حدثني والدي الـمرحـوم محمد علي عكاشة الـمتوفى بأرقــو 1936م ولقد عمر كثيرا فـي طاعة الله فقال يحكي عن صهره زوج شقيقتـه الكبرى السيدة سكينة عكاشة إبراهيم أغا وكانت تسمى سكينة الكبيرة وهي زوجة الرجل الصالح التقي الورع الشيخ خليل بن الشيخ علي بن الشيخ مجلي عطر الله قبره ولقد قدم هذا الولي من القطر المصري حوالي 1875م فـي التركية السابقة وعند وصوله أرقـو وجد رجلا كريما زعيم عائلته وهو المرحوم عكاشة إبراهيم أغا ومكث بضيافته ينشر الطريقة ويقيم الحضرات والأذكار والنوبات ويعلم الفقه ويعلم القرآن الكريم وعندها أكرمه مضيفه وزوجه بنته الكبرى الـمذكورة آنفا ورزق منها بنتين هاجر بنت الشيخ وهي المدفونة بجواره بالخرطوم والثانية هي الصغرى واسمها خديجة بنت الشيخ وزوجها بعد ســفر والدها جـــدها عكاشة إبراهيم إلى رجل صالح يحفظ القرآن ويقيم الليل وهو الشيخ أبو النور عثمان السيد أبو يوسف وهو شريف النسب ينتمي إلى السيد غازي المعروف شمال مصر بمحطة سيد غازي وهو حسيني النسب هـاجر جـده مـن الـمعـرب إلى مصـر عـام 356 هـ مـع ابن خالتـه السـيد أحمــد البــدوي
الـمشهـور بطنطا، وأنجبت خديجة هذه أولادا ذكورا فقط ثلاثة هم خليل وعلي ومحمد ، توفى الأول وبقي الأخيران مد الله فـي عمريهما.
هذا وقد هاجر الشيخ خليل أبو جنزير من أرقـو حوالي 1883م وأخذ معه بنته هاجر وترك لزوجته سكينة عكاشة بنته الثانية خديجة ومكث ببلدة قنتي بالشمالية أياما ولم أعرف هل تزوج هناك أم لا وصحب هنا الرجل الصالح المقيم بجزيرة تنقسي وهو الشيخ مصطفى ويسمونه (راجل الغار أبو فزعا حار) وقد رزق هذا بنتا وهي السيدة فاطمة والدة السيد الأنور بن السيد ميرغني الإدريسي وقال إن الشيخ خليل والشيخ مصطفى سافرا من تنقسي الجزيرة وقنتي إلى العاصمة وتمكن الشيخ مصطفى من السفر إلى الحج وعاد من هناك إلى دراو بالقطر المصري وله مقام معروف الآن ببلدة دراو وكما قلنا تزوج بنته فاطمة السيد ميرغني الإدريسي وهي والدة السيد الأنور الـمدفـون بالغابـة بالشماليـة.
هذا ولقد سألني سنة 1930م ببورتسودان الخليفة الكبير الشيخ مصطفى أحمد أبتول وهو من أهالي قنتي وقد صحب هذا الرجل الصالح الشيخ خليل..
سألني عن بنته خديجة بنت الشيخ وذكر لي كثيرا من مناقب والدها ومناقب زميله الشيخ مصطفى ولقد توفيت بنته السيدة خديجة بنت الشيخ بأرقـو بعد عمر مديد وذلك عام 1980م وبقي من أولادها الآن علي ومحمد أبو النور وقد توفى ابنها الكبير خليل أبو النور بأرقـو 1981م ولـهـم أولادا وحفدة يمكن أن يحدثكم عنهم حفيده الشيخ خليل أبو النور الموظف ببنك فيصل الإسلامي السوداني بالخرطوم وهو حفيد الشيخ خليل أبو جنزير وحامل اسمه. ولقد سمعت من عمي المرحوم محمد عكاشة وقد كان ملازما عن الخليفة عبد الله بالمهدية بأنه قابل زوج أخته الشيخ خليل أبو النور قبل وفاته بالخرطوم وكان نوى الحج ولكن اعتقله الخليفة عبد الله لأسباب فـي الفتاوى حيث إن المهدية أوقفت الحج وأفتت بأن الجهاد أفضل من الحج ولـهذا الخلاف اعتقل الشيخ خليل وبقي فـي سجنه ومعه بنته هاجر ترعاه وكان عمنا المذكور يزورهم فـي معتقلهم بالخرطوم إلى أن وافته المنية زمن المهدية أيام الخليفة ودفن بمقره هذا بالخرطوم وقد أشرف على دفنه عمنا وبعض الأهل الموجودين هناك إلى أن توفيت بنته هاجر ودفنت معه فـي نفس المحل المشهور الآن بأبي جنزير هذا والله ولي التوفيق.
عكاشة محمد علي بالمعاش (أرقـو)
.....................................................................
هكذا انتهى سرد الوقائع التي دونها أستاذي فجزاه الله عنا كل خير وأمد الله فـي عمره ورزقنا وإياه صالح الأعمال.
مما كانت تحدثنا جدتي خديجة بنت الشيخ أن أباها طلب منها برؤية منامية أن تسمى اسمه وصدف أن رزقت ابنا وهو البكر وسمته خليلاً وهو والدي وبعد أن كبر وتزوج جاءها بالمنام وقال لـها إن الاسم أي اسمه الذي طلبه منها أن تسميه ناقص وكان ذلك عندما رزق أبي ابنا وطلبت والدته وهي جدتي أن تكمل اسم والدها وسمت الشيخ وهو اسمي وبهذا اكتمل اسمه.
وحدثنا أن أباها أخبرها أن شقيقتها هاجر راقدة بجواره وحدثني والدي عليه رحمة الله حيث خرج هو والمرحوم السيد المعز لدين الله الإدريسي خرجا لزيارة الأولياء حيث بدآ من الشمالية حتى وصلا كركوج وعند دخولـهـم لمولانا الشريف محمد الأمين ذكر للسيد أحمد المعز لدين الله الإدريسي أنه أي مولانا الشريف محمد الأمين يشم رائحة أبو جنزير فأخبره السيد أحمد المعز لدين الله الإدريسي أن هذا أي والدنا ابن بنته خديجة بنت الشيخ سبحان الله.
على ما أتذكر فـي أواخر الستينيات بدأت الكتابة فـي الصحف اليومية عن أبو جنزير والأرض الواقعة حوله ادعى عدد من القبائل أن أبا جنزير منهم وحوله الأرض وعندما فكرت فـي الكتابة عن الموضوع والأرض سمعت صوته بالرؤيا أن اترك هذا الأمر وبالفعل تركته.
وعليه نود أن نبين للحقيقة والتاريخ حقيقة الشيخ الولي التقي صاحب المناقب وأن نبتعد عن الأرض حسب وصيته المنامية وأن تكون هذه الأرض للمصلحة العامة ملكاً للناس العامة للناس ولا أحد يدعي ملكيتها حيث كانت مقبرة عامة وهي ملك للناس جميعا.. اللهم ارحم واغفر وأكرم نزل وليك هذا وأنت أكرم الأكرمين وصلى اللهم وبارك على صفيك وحبيبك محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.
مـن هـو أبـو جـنـزيـر؟(2)
نشرنا بالعدد الماضي رسالة من الأستاذ الشيخ خليل أبو النور (حفيد أبو جنزير) يوضح فيه الحقائق عن الولي الكبير قال إن اسمه الشيخ خليل بن الشيخ علي بن الشيخ مجلي وإنه قدم من القطر المصري حوالي 1875 فـي التركية السابقة وعاش مدة من الزمن بأرقـو واستقر بالخرطوم مات ودفن فيها.
الرسالة الجديدة تقـول أنه إمام بن محمد.
ويهمنا توثيق التاريخ والتوصل إلى الحقيقة..
ورد بالعدد الثاني ربيع أول 1405هـ ديسمبر 1984م من مجلة القوم بالصفحات 28 و29 و30 باب وثائق للتاريخ تحت عنوان من هو أبو جنزير؟ بقلم الشيخ خليل أبو النور حفيد أبو جنزير.
أرجو أن تسمحوا لي بتوضيح الآتي للتوثيق والتاريخ:
على ما أذكر عند ما بدأت الكتابة فـي الصحف اليومية فـي أواخر الستينات عن أبي جنزير والأرض الواقعة حوله ادعى عدد من القبائل أن أبا جنزير منهم. وعلى ما أذكر أن المرحوم استأذنا الجليل الشيخ إبراهيم عمر الشهير بقرة العينين، كتب ضمن الذين كتبوا فـي هذا الموضوع بجريدة الرأي العام آنذاك. كتب عن نسبة أولاد عجم الثمانية والتي نقلت من النسبة التي وجدت بيد الفقيه طه ولد الشيخ خوجلي ومن النسبة التي بيد الفقيه عبد الله المحسي السرورابي نجل الشيخ سرور والشيخ حمدوبة. وهم شارف، زائد، أبو شامة، صارد، كباني، عبودي، مزاد، سعد الله وسارد.
أما شرف فتنسب إليه المشيرفية وأما زائد فتنسب إليه الزائداب وأبو شامة تنسب إليه الشامية وهم الضبانية وأما صارد فتنسب إليه الصواردة وأما كباني فتنسب إليه الكبانية وأما عبودي فتنسب إليه العبودية وأما مزاد فتنسب إليه المزيداب وأما سعد الله فتنسب إليه السعدلاب وأما سارد فتنسب إليه السدارنة.. وقد سجل المرحوم مولانا شيخ إبراهيم عمر آنذاك نسبة آل الفقيه إبراهيم المشهور بقرة العينين كما يلي: ــ
(2) بقلم بخيت محمد زكي
الفقيه إبراهيم بن محمد عوض الكريم بن حمد بن الفقيه محمد بن الفقيه إمام بن محمد بن كرم الله بن زائد بن محسن بن سعد الله بن الملك جامع بن الملك حسن بن الملك أحمد بن الملك عامر بن عبد الكريم بن يعقوب بن جابر بن سالم بن عبد الرحمن بن يعقوب بن جابر بن سالم بن عبد الرحمن بن علي بن سلمان بن محمد بن زيد بن عمارة بن حارث بن عبادة بن أبي بن كعب الصحابي الأنصاري الخزرجي رضي الله عنه.
فالفقيه إمام بن محمد الوارد فـي هذه النسبة هو أبو جنزير وهذا الجنزير يرجع إلى السياج حول هذا القبر والذي قام بإقامته مدير الخرطوم الانجليزي من الجنازير والأعمدة والذي كان إلى وقت قريب موجود حول هذا القبر.
أراد ذلك المدير أن يرحل هذا الولي من هذا المكان وقد حدثت كرامات من هذا الولي شهد بها المدير البريطاني سمعت من جدتي ووالدتي واللتان كنت ازور معهما أبي جنزير على ما أذكر وأنا صغير فـي بداية الثلاثينيات عندما تحضران من توتي إلى الخرطوم فـي مناسبات مختلفة كانتا تبدآن بزيارة هذا الولي وتدعيان بتسهيل الأمر الذي أتيتا من أجله ثم تقولان .. يا أبا جنزير يا خصيم المدير تلحقنا وتفزعنا وتنجح ولدنا هذا وتبارك فيه. وأذكر أن هنالك امرأة كانت تسمى كلول مسئولة عن نظافة القبر وكانت تستلم الزيارات النقدية والعينية.
كما سمعتهم يقولون أن مدير الخرطوم الانجليزي أراد أن يرحل هذا الولي من هذا المكان وسأل عن أقرب الناس إليه وأخبر أن أقرب الناس إليه يدعى اسحق يسكن أبي روف وله حوش يسمى حوش اسحق غرب منزل عائلة صديقنا الأستاذ أحمد سليمان المحامي وهو جد المرحوم مولانا الشيخ إبراهيم عمر ولكن اسحق قال للمدير لا يمكن أن أرحله إلا بعد أن أحضر مشايخ الطرق الصوفية ثم يتم ذلك فـي حفل ديني كبير فرفض المدير وأصر على الحفر ولكن آلات الحفر تكسرت ولم تتمكن من الحفر. كما أن المدير رأى فـي المنام رجلا أسمر اللون متلفحا بالثوب يركب حمارا ويقتلع الأوتاد التي نصبها المدير لتخطيط هذا الميدان الحالي الذي يرقد فيه أبو جنزير وهدد المدير فـي تلك الرؤيا المنامية بما سيحدث له فأصبح المدير خائفا وجلا وحضر لمكان القبر وأمر بإقامة سياج بالأعمدة والجنازير حول قبر هذا الولي وكانت موجودة إلى وقت قريب. ولذلك سمي بأبي جنزير منذ ذلك التاريخ وأصبحت تحدث له كرامات كثيرة يرويها الجميع.
وأبو جنزير مدفون الآن فـي مكان الخلوة التي كان يتعبد فيها وإن مدرسة الخرطوم شرق الحالية والتي كانت تقع شمال الميدان كانت بيته فيما مضى وأن المدرسة الأهلية الآن كانت أرضها ملكا له وباعها أحفاده وكذلك الأرض التي عليها حديقة الحيوان سابقا. وقد ملكه حكام مملكة سنار أراض كثيرة بالخرطوم وحواليها وسلمت له وثائق بذلك ويقال أنه مزق كل تلك الأوراق وقال إنه لا يريد أن يتنازع أولاده من بعده بسبب هذه الأراضي وقد سافر أخ له إلى سنار لإعادة كتابة وثيقة أخرى من مملكة سنار فعين قاضيا هنالك وتوفـي بسنار.
وقد وجدت فـي أواخر الستينات عندما أثيرت تلك الزوبعة بالصحف عن أبي جنزير نسخه من الحزب السيفي للإمام علي كرم الله وجهه بخط اليد للفقيه إمام بن محمد بحوزة المرحوم شيخنا ومرشدنا الشيخ محمد عثمان عبده شيخ الطريقة البرهانية .
أتمنى أن يكون الأخ الشيخ إبراهيم محمد عثمان عبده شيخ الطريقة البرهانية الدسوقية الشاذلية يحتفظ بها للتوثيق.
وحسب علمي أن من أقرب الناس إليه اليوم أبناء المرحوم الشيخ إبراهيم عمر بأبي روف والشيخ عمر بن عبد الله إمام جامع أبي روف الحديث. وفـي توتي أبناء أحمد الجمالي وأبناء خوجلي ساجور بتوتي والمرحوم الأستاذ محمد الحسن عبد الله وأخواه حسن وهاشم الذين يردان فـي النسبة أعلاه بالملك عامر بن عبد الكريم والذي يقولون أنه مدفون بدراو لعل كاتب المقال يرتبط معهم عن طريق تلك النسبة هذا ما لزم للتوثيق والتأريخ.
توفى عام 2004م .
مــن هـــو أبو جـنـزيـر؟(3)
تكمـلة الدراسـات عـن شخصيـة أبو جـنزيـر
كتب د. جمال الدين صادق بالصفحة الرابعة بعدد الأيام بتاريخ 21 نوفمبر 1985م عن عبد الباسط الحاج رابح المولود بعد العود قرب مدينة الدويم فـي آخر نوفمبر 1840م وفـي 1881م هاجم مدينة الدويم بكتيبة وهرب الجنود البريطانيون وهم يتساقطون حتى كاد أن يسيطر على المدينة وتمكن الأعداء من أسره ثم كبلوه بالحديد حيث الميدان الذي يعرف باسمه فقيدوه بجذع شجرة وقرر غردون الحكم عليه بالإعدام شنقا وتم إعدامه بأن ربطوا حبلا فـي شجرة بالمكان الذي دفن فيه والذي يحمل اسمه الآن وبعد استشهاد فارس الثورة بدأت كراماته تظهر للناس مما حدا بأحد الأجانب أن يحيط المقبرة بسلسلة حديدية على شكل الجنزير ليحمي هذا المكان من عبث العابثين اعترافا منه بشجاعة هذا الرجل الذي استشهد رافعا قامته وهو يهتف باسم السودان. كما سماه الكاتب شهيد استقلال السودان الإمام عبد الباسط الحاج رابح (أبو جنزير) فى عهد الرئيس جعفر نميرى حاول محافظ الخرطوم نقل مقبرة ابى جنزير الا ان السيخ دفع الله الصائم ديمة تدخل واحتد مع الرئيس نميرى الذى ألغى القرار. تفاصيل المواجهة بين الشيخ دفع الله والرئيس نميرى فى كتاب المؤلف : موسوعة العركيين ( كان امة من الناس) الصادر عن دار القوم عام 2003م .
ولما كنا قد بدأنا الكتابة قبل ذلك عن شخصية أبو جنزير فـي عدد سابق من مجلة "القوم " نود فـي هذه العجالة أن نعاود الكتابة للحقيقة والتوثيق تكملة لدراساتنا السابقة وردا على ما ورد فـي كتابة د. جمال الدين صادق والتي أشرنا إليها فـي بداية هذه الدراسة لقد حاول كثيرون قبل ذلك إزالة هذا المقام من هذا المكان وقطع أشجاره وتخريب قبره منهم مسئولون عن إدارة مديرية الخرطوم من حكام استعماريين أو وطنيين ومنهم مواطنون عاديون دفعتهم حميتهم الدينية والمذهبية لتحطيم القبر بعد أن بني بالرخام وكتب عليه الاسم الحقيقي لصاحب المقام ولست بصدد ذكر الكرامات التي حدثت من صاحب هذا المقام لكل الذين حاولوا تشويه جلال هذا المكان منها ما عايشناه ومنها ما سمعناه من الذين عايشوها عيانا بيانا. وهنالك من الأشخاص من شهدناهم وروينا عنهم وهنالك وثائق كتبناها عن نسب أبي جنزيـر الذي ينتمـي إلى الأنصـار عن طـريـق أبـي بـن كعـب وهنـــالك مـــن الوثائـق
(3) بقـلم الأسـتاذ: بخيت محمد زكي
مذكرات سرفيلد هول مدير الخرطوم من 1929م غلى 1936م والموجودة فـي الملفات بالمديرية ودار الوثائق المركزية وعند بعض الإخوة الذين تعاقبوا على إدارة الـمديرية والسلك الكتابي فيها. وقد أشرت إليها فـي مقالي السابق وهنالك من النساء اللائي تعاقبن على حراسة وتنظيف مقام أبي جنزير مثل حبوبة ديومة وكلول وأحفادهما موجودون الآن بأم درمان والمقرن وتوتي وكيف كانتا توزعان الأوقاف والنذور التي ترد إلى صاحب هذا المقام على أحفاده والـموجودون الآن بتوتي وأم درمان والقراصة وخلافه وقد أشرت إلى ذلك فـي مقال سابق وأحب هنا أن أصحح ما ورد فـي مقالي السابق بمجلة القوم عن ذكر علي حسن عبد الله وقرابته لأبي جنزير والصحيح أنه علي حسن عبد الله أول وكيل لوزارة الداخلية فـي الحكم الوطني فلزم التنويه. وقد ذكرت الأراضي التي كان يمتلكها أبو جـنزير ومنها الذي منح له عن طريق مملكة الفونج لأنه كان يعمل فـي تسجيلات الأراضي لـمعـرفتـه بالأراضي والناس وبعض هذه الأراضي فـي الخرطوم وأم درمان وتوتي والجموعية وقد آلت معظم هذه الأراضي إلى اسحق إبراهيـم فـي أبي روف والذي كانت ولادته كلها بنات فورث أزواجهن تلك الأراضي منهم أستاذنا الجليل الـمرحوم الشيخ إبراهيم عمر وقد آلت بالإرث للأخ تاج الدين إبراهيم عمر وإخوانه وهو الآن يدير مزرعة كبيرة شرق توتي على النيل محاذية لكبري شمبات من ناحية حلة خوجلي والتي كانت ضمن أراضي أبي جنزير..
أحب كذلك أن أضيف حقيقة تاريخية عن منطقة ملتقى النيلين عند توتي وسكانها وجميع الأولياء فـي هذه المنطقة فـي بقعهم الـمبـاركة وصلتهم يبعضهم البعض. فالمحس قبيلة نوبيـة تسكن بين الشلال الثاني والثالث وما زال أهلها يتحدثون بلهجة نوبية مع إجادة كثيرين منهم للغـة العربية وذلك بعد أن امتص المحس عددا كبيرا من العناصر العربية فـي هجرتها من مصر إلى السودان بعد القرن الثالث عشر ويصل المحس نسبهم بالأنصار وبعد انتشار الإسلام فـي موطنهم هذا هاجر جماعة منهم واستقروا فـي منطقة النيلين عند توتي وما جاورها وبمرور الزمن نسوا لسانهم النوبي ومن بينهم عدد من رجال الدين أمثال الشيخ إدريس ود الأرباب والشيخ خوجلي عبد الرحمن .ولد الشيخ إدريس بشمبات الحالية وبعد وفاة والديه ارتحل إلى عيلة الفونج ( العليفون ) وسكن معهم 1508 ـ 1650م أخبر الشيخ إدريس بظهور الشيخ خوجلي فـي جزيرة توتي (ويظهر فـي هذه الجزيرة ولد له شأن عظيم) وولد الفقيه حمد بالجزيرة توتي 1055هـ والشيخ أرباب بن علي المشهور بأرباب العقائد قد هجر موطنه جزيرة توتي قبل عام 1691م غالبا بقصد التعبد فـي الغابة الواقعة بين النيلين الأزرق والأبيض وهناك تدفق عليه الطلبة ومنهم خوجلي بن عبد الرحمن وحمد ود أم مريوم والشيخ حتيك وقد مكث به الشيخ بادي ولد رجب فترة وجيزة عام 1785م ولما فتح الأتراك السودان عام 1821م ما زالت الخرطوم قرية صغيرة لا توحي بأنها ستصير حاضرة الإدارة التركية المصرية 1824م....
وعندما دمرت السيول والأمطار جـزءا من مدينة الخرطوم فـي عهد جعفر باشا مظهر 1866 ـ 1871م حكمدار السودان رأي الخديوي إسماعيل نقل العاصمة منها إلى توتي إلا أن مظهر اعترض على هذا الاقتراح لأسباب علمية فصرف النظر عنه وأعيد بناء الخرطوم ونفذت عدة مشاريع لتحسينها وتجديدها...
موسى حمدي باشا حكمدار عام السودان 1862م مدفون الآن فـي القباب أمام أبي جنزير من الناحية الشرقية وقد كانت كل تلك المنطقة مقبرة وليس هناك ميدانا عاما يمكن أن يشنق فيه شهيد الاستقلال المذكور فـي مقال د. جمال الدين صادق والمذكور فـي بداية هذه الدراسة وبعد مقتل إسماعيل باشا أيضا وكل أعوانه فـي نهاية أكتوبر 1822م قام الدفتردار بحملته للانتقام من قتلة إسماعيل وقد قتل الدفتردار فـي تلك الحملة خلقا كثيرا وسبب كثيرا من الخراب فـي المتمة وشندي والحلفايا وتوتي والعيلفون وجهات النيل الأبيض.
كل هذه الأحداث التاريخية التي سردناها أعلاه تدل دلالة صادقة على أن هذه المنطقة كلها خاصة بالمحس سكان هذه المنطقة وكل الأولياء والعلماء الـمدفونون فـي هذه المنطقة معظمهم من الـمحـس وأن هذه المنطقة ذات حضارة عريقة وما زال أحفاد أولئك وتربهم يسكنون فـي هذه المنطقة ويرثون أراضيهم ودورهم وخلاويهم وقبابهم ومن البقع المباركة بر أبو البتول على النيل جوار الجمعية التأسيسية وقد سمعنا المغني يغني فـي الثلاثينات:
يـا بــر الساكن
القيـــف
أنـــا
أعمـــــــل
كيـــف
ومنهم الفكي (بابكر) ضريحه فـي المقرن بالقرب من النيل ومنهم (نقر الشول الخاتي القول) داخل قاعة الصداقة حاليا وجامع فاروق بالخرطوم حاليا كان جامع وخلوة أرباب العقائد والفقيه إمـام الـمعـروف بأبي جنزير مدفـون فـي خلوته التي كان يتعبد فيها إذ كان منزله بمدرسة الخرطوم شرق الابتدائية سابقا. وقبة الشيخ حمد ود أم مريوم بالخرطوم بحري وكذلك قبة الشيخ خوجلي أبو الجاز والفكي ود مضوي والطيار وأبو نجيلة كلهم بالخرطوم بحري شرق النيـل.
ونحن من مواليد أخر العشرينات ومنذ بداية الثلاثينات كنا نزور كل تلك الأضرحة مع والداتنا وجداتنا وكنا نسمع ما نسمع من كرامات أولئك المشايخ والأحداث التي حدثت وقد ذكرنا من قبل حادثة أبي جنزير خصيم المدير كما تناديه الحبوبات عند الزيارة مع سر سفيلد هول مدير الخرطوم 1929 ـ 1936م عندما أراد أن يبني وكانت البلدية فـي هذا الميدان وقد ذكر ذلك فـي مذكراته ـ أما الحادثة الأخرى لأبي جنزير أو الفقيه إمام بن الفقيه محمد فقد كانت مع الكولونيل استانس مدير الخرطوم 1900 ـ 1909م والذي أشرف على تخطيط الخرطوم ونفذ مشروع تحسينها وعندما أراد أن يوسع شارع فكتوريا حاليا شارع القصر وقفت فـي طريقه المقابر لأن كل المنطقة التي فيها أبو جنزير حاليا والمنطقة التي تقع شرقها كانت مقابر أهل الخرطوم آنذاك وقد رأينا آثارها فـي الثلاثينات ولم تكن ميدانا خاصا ومازالت آثار المقابر وقباب الأتراك وحكامها دليلا قاطعا على صحة ما ذهبنا إليه فقبر موسى حمدي حكمدار الخرطوم 1862م فـي داخل هذه القباب فأحضر الكولونيل استانس المساجين والجرافات لتجميع العظام البشرية وكانت له وقفة فـي قبر الفقيه إمام بن الفقيه محمد سجلها فـي مذكراته فـي ملفات مديرية الخرطوم والموجودة بدار الوثائق المركزية وبيد الإخوة الذين تعاقبوا على إدارة مديرية الخرطوم فقال قد وجدنا الجثة رطبة كما هي تفوح منها رائحة كرائحة الحناء وكان الكفن من الدمور ناصع البياض وجديدا فحول الكولونيل استانس القبر إلى مكانه الحالي وأحضر أهله ومشايخ الطرق الصوفية ودفن فـي احتفال ديني كبير وبنى الكولونيل استانس حوله أعمدة ويحف بها سياج من الجنازير وسماه (أبو جنزير) ومن الذين شاهدوا ذلك المشهد وتلك الحادثة المواطن حمد عبد القادر حاج الأمين بن غناوة بنت أحمد ود يس من توتي أختها فاطمة بنت أحمد ود ياسين والدة محمد النور والد بر محمد النور بسوق الخضار بالخرطوم الآن فقد شاهد القبر عند إخراج الجثمان وحضر إعادة دفن الجثمان فـي مكانه الحالي.
ونحن سكان توتي عايشنا الأحداث وسمعنا عن تلك التي لم نعايشها ولم نتفاعل معها وجيلنا بالذات عايش الأحداث منذ الثلاثينات والأربعينات وهلم جرا ونحن الذين ازدحمت بنا مديرية الخرطوم فـي يوم الجمعة 21ربيع ثاني 1363هـ الموافق 14 إبريل 1944م عندما أراد مديرها البريطاني ماكنتوسن ترحيلنا من جزيرة توتي فحدثت معركة رهيبة بيننا وبين بوليس المديرية فأطلقت النار علينا وسقط من سقط وجرح من جرح وسجن أربعة وعشرين شخصا كنت أنا شخصيا الـمتهم الثاني من بينهم ومطعونا بالسونكي فـي جنبي الأيسر وكادت أن تتمزق أحشائي وقد استشهد الشهيد أحمد يوسف بين يدي فـي العيادة الخارجية بمستشفى الخرطوم الحوادث حاليا وهو يهتف حب الوطن من الإيمان إلى المدير إلى المدير وقلبه ينزف غزيرا ـ فنحن عندما نكتب عن الأحداث والأشخاص نكتب من وجهة النظر التاريخية البحتة والمدعومة بالوثائق لا لجاه ولا مال ولا سلطان ونعرف قدرنا جيدا (لا نفقر حتى نموت ولا نغنى حتى نموت) وهدفنا من كل ذلك إكمال الدراسات عن شخصية أبو جنزير وأملنا كبير فـي أن تقوم مجلة القوم بتشييد الضريح على قبره مع المكتبة الإسلامية التي تحتوي على كتب التراث وتسجيلات القرآن والمدائح والمحاضرات. ولكي يكتمل إنشاء الصرح الذي يجسد الرمز الصوفـي الإسلامي وليكون فـي الوقت نفسه نموذجا للعمارة الإسلامية السودانية فـي قلب العاصمة القومية والله المستعان بدءا وختما والسلام.. (( منقول))