تسويق محترف
قادما من فلسطين نحو اليمن السعيد، وإلى العاصمة صنعاء بالتحديد، كانت زيارتي الأولى إلى هناك .
وكون الرحلة قصيرة وسريعة ؛ فلم أكن أتوقع أبدا أن تتجاوز الرحلة غاياتها لأجد نفسي أمام مدرسة أعمال تقليدية ومميزة أتعلم منها الجديد .
قد تكون مدن مثل نيويورك أو لندن أو حتى هونج كونج هي محطات التجارة والتبادل السلعي وعقد الصفقات عالميا في هذه الأيام... وليس اليمن أو حتى فلسطين! إلا أن تلك الدولتان قد أيقظتا في خاطري أساس وصلب لعبة التسويق والتجارة من خلال لعبة اختلاف الزمان والمكان
فلسطين وما حولها تمثل بنظري بوابة الغرب ... الذي عايشته ومازلت في أسفاري أدركه وأشاهده .
كما أن اليمن بحق تمثل بوابة الشرق ... ولكني من خلال بوابة اليمن نحو الشرق وجدت قيمة الاختلاف وأهميته في المكان... وحتى في الزمان .
لقد انبهرت حقا بقلب صنعاء عندما وجدت مدينة كاملة بأهلها وأسواقها وعاداتها مازالت تعيش بين جدران المنازل الأثرية الطاعنة في التاريخ من آلاف السنين .
إنهم سكان منطقة تدعى (باب اليمن) بسوق الملح .
لقد أبهرني المكان الذي لم أشاهد مثله من قبل، حيث الجمال والروعة والإثارة في أبسط صورها! كما أبهرني الزمان الذي مازالوا يعيشونه .
وعلى العكس تماما، حين يأتي الشرقي إلى نيويورك أو غيرها من مدن الغرب فينبهر بالمكان والإثارة .. وكذلك الزمان الذي يسابق نفسه في كل لحظة .
لعبة اختلاف الزمان والمكان... هي طريق هام من طرق التسويق حديثا وقديما... هنا أو هناك! وباتقان هذه اللعبة ببساطتها يتشكل عالم الأعمال، وتبدأ التجارة وتنمو الأموال .
ولإتقان لعبة اختلاف الزمان والمكان ، لابد وببساطة من الثلاثة عناصر الآتية :
1- الجرأة على التنقل ونقل الاختلاف .
2- التفكير بأكثر من مكان يحمل اختلافا حقيقيا او جزئيا .
3- التوقيت المناسب .
أولا: الجرأة على التنقل ونقل الاختلاف
يفهم البعض تماما أهمية اختلاف المكان... إلا أنه لا يمتلك الجرأة الكافية لأمرين :
أ- جرأة تحمل أعباء التنقل بين المكانين .
ب- جرأة نقل الاختلاف من مكان إلى مكان .
لذا.. مع عدم امتلاك الجرأة على التنقل أو مع الاكتفاء بما هو موجود أمامنا، نجد نموذجا يمارس أو ينظر إلى عالم الأعمال والتجارة من خلال مفهوم أحادي وهو مفهوم الأغلبية حيث يقلد ما هو موجود حوله في نفس مكانه ونفس زمانه
إن حاجز الجرأة يعيق الكثيرين من البدء بأعمالهم التجارية والتسويق لها أو لأنفسهم
ثانيا : التفكير بأكثر من مكان يحمل اختلافا حقيقيا
مازلت أذكر اجتماعنا مع نخبة من مدربي فانكوفر/ كندا، عندما طرحت (Janet) مشكلة زهد شركات فانكوفر بمدربي المدينة المقيمين في فانكوفر وتفضيلهم آخرين من خارج المدينة. وبالمقابل كنا نجد أن المدن الأمريكية والكندية الأخرى ترغب باستقطاب عدد من المدربين من فانكوفر!! المشكلة لا تكمن أبدا بجودة المدربين، إلا أن نظرية المكان هنا تلعب دورا هاما في تسويق الآخر البعيد بدلا من القريب .
ورغم بساطة ووضوح فكرة اختلاف المكان، إلا أننا أحيانا نغفل عن استخدام أسرار المكان لنقل قيمة مضافة للمكان الآخر .
فما هو موجود في أمريكا لايتوفر لدى الشرق وهنا يحصل الانبهار والتشويق... وهما مادتا عمل التسويق .
كما أنك تفقد في أمريكا ما هو موجود في غيرها كالشرق الأوسط ... ولكن للأسف لا تشويق.. ولا تسويق! وهكذا يتقن البعض لعبة التسويق من خلال اختلاف المكان .
وبإتقان لعبة المكان يمكن الخروج عن تفكير الأغلبية - المتمركز في التفكير في نفس المكان ونفس الزمان دائما - والانتقال إلى أكثر من مكان لصنع اختلاف جديد لكلا المكانين أو أحدهما .
ثالثا : التوقيت المناسب
وهنا يأتي عامل الزمان واستخدامه بإتقان .
ولتلخيص نظرية الزمان في التسويق إليك الملاحظات الآتية :
نقل الاختلاف في الوقت المناسب هام جدا بعد دراسة أو ملاحظة المكان الآخر .
قد يكون الاختلاف مطلوبا، إلا أنه كبير جدا! وهنا تبدأ المعارضة أو التشويه لهذا الاختلاف! فعلى المسوق اختيار الجرعات من أفكار أو سلع وتقديمها بتوقيت تدريجي وبسلاسة للمكان الآخر .
فإذا أردت أن يلحقك الآخرون... لابد أن تسبقهم ولكن بمسافة يستطيعوا أن يشاهدوك فيها .
وإلا فقدوا رؤيتك تماما .
ولعبة الزمان تقوم على استغلال اختلاف الزمان أو الموسم أو الظرف لتصنع اختلافا لنفس المكان الواحد .
وهكذا يركز المحترف في عالم التسويق على معيار الزمان والتوقيت ليثير المكان .
ويتبادر للذهن مباشرة فكرة الاحتكار في لعبة الزمان، حيث يعمد بعض التجار إلى تأجيل العرض أمام الجمهور حتى انتظار رفع الأسعار .
واستغلال حاجة الناس للسلعة المحتكرة .
وأخيرا... لعبة الزمان والمكان حيث الاستفادة من كامل المخطط والاختلاف الممكن في كلا الزمان والمكان .
كل عناصر لعبة اختلاف الزمان والمكان في التسويق، يمكن تلخيصها بالآية الآتية
(لإيلاف قريش إيلافهم... رحلة الشتاء والصيف... فليعبدوا رب هذا البيت... الذي أطعهم من جوع وآمنهم من خوف )
إيلافهم : تعودهم وذهابهم للشام واليمن حيث اختلاف المكان .
رحلة : الجرأة على التنقل .
الشتاء والصيف : الزمان والتوقيق المناسب .
أطعمهم من جوع : نتيجة المعادلة واتقان قاعدة الزمان والمكان .
والآن أعود من اليمن إلى الشام... بدرس قديم يتجدد حول التجارة والتسويق