خلق الله سبحانه المرأة في أحسن تصوير، ومكنها من جمال يصعب مقاومة سحره، فهي محط
الأنظار وملء الأفكار، ومهما تظاهر بعض الرجال بأن صفة الجمال فيها غير ذات قيمة كبيرة،
فإن واقع حالهم يكذب تلك الإدعاءات، ويفنذ تلك الآراء التي تناقض حقيقة تصرفاتهم الخفية
والمعلنة، فلا زالت المرأة الجميلة مطلبا وأمنية كل رجل أينما كان وستبقى أغلى حلم رجالي،
فتراهم يضطربون لسحر رقيق متألق في عيون أنثى تنظر بإستحياء فتفيض قرائح الكتاب
والشعراء والفقهاء بما ملأ الدنيا عبر التاريخ بوصف جمالها، وسحر أنوثتها المذهل وتأثيره في
سلوك الرجال الذين لم يتركوا جزءا من جسدها إلا وأشبعوه توصيفا وحلموا في المنام واليقظة
بإمتلاك الجميلات ليقمن على ترتيب حقائب متعهم
وجدت المرأة نفسها أمام أزمة واقع مر لا يعترف لها بخصوصية إنفعالاتها الاجتماعية وضع
مأزوم ناتج عن أنانية ذكورية متربعة على عرش الظلم والغلظة والتسلط والغيرة، تدفع بها نحو
العزلة والتواري وراء أستار وحجب عادات وتقاليد لم يأمر بها الله في شرعه ولا النبي بسلوكه ؛
بل إبتكرها رجال قدسوا التقاليد فقدموها على تعاليم الحنيفية السمحة التي كرمت المرأة، فهم أشد
صرامة من الله ورسوله في تعاملهم مع المرأة. يحاصرها الوعي الرجالي ويراقب خطوها مخافة
أن تزيغ عن الإطار المحدد لها سلفا من قبله، حتى لو لم يكن الأمر يتعلق بأسباب عقائدية، لأن
موقعها في النظام الذهني العربي هي " فتنة وإغراء " و "رمزالشر الحي الناعم " الذي أخرج
آدم من جنة الخلد. فهي تدفع كل يوم ضريبة جمالها غاليا من حريتها وراحتها وكأنها إقترفت إثما
عظيما لأنها جاءت إلى الدنيا جميلة، فليس الإنشغال الكبير الذي تحظى به المرأة والذي إحتشدت
به جرائدنا ومجلاتنا من باب كونها ذات بشرية من لحم ودم يحكمها واقع مترد سائد يجب تغييره
بوضع أسمى وأفضل ؛ لكنه إهتمام حبيس النظرة الجنسية الشبقة للمرأة، والتعلق بالأفكار القديمة
الجامدة المصادرة لجسدها
فكلما إحتد الخلاف بين الرجال في أي موضوع كيفما كان هذا الخلاف، ديني أو اجتماعي أو
سياسي أو إديولوجي أو حضاري، إلا وإفترشوا المرأة على خارطة خلافاتهم، وجعلوها مركز
ذلك الخلاف ومحوره، مختصرين كل قضاياهم في المرأة، وكأن القوم بلا قضايا يحيون
ويموتون من أجلها، فلا محارم أنتهكت، ولا آثام أقترفت، ولا حدود تعديت ؛ فلا هم للشامخين
في جهلهم إلا الترويج للخرافة و التأويل الحرفي للنص لإستغلال المرأة والتنقيص من قيمتها
بدعوى "الغيرة " البشعة التي تحكم عليها بالإعدام وتلوث عليها حياتها وتسقطها في قبو المهانة
كلما وجدت فرصا للتشويش على أدمغة البسطاء والفقراء الحالمين بجنة باعة الوهم ولصوص
الأمل وتجار الأخلاق والدين وسماسرة الحاضر
و يا ليت الأمر توقف عند حد الكذب على النبي والذي يقول في هذا الباب " من كذب علي متعمدا
فيتبوأ مقعده من النار " ؛ بل وصل إستهتار بعضهم إلى الافتراء على الله سبحانه وتعالى حيث
خاطب أحد فقهاء إحدى البلدان الإسلامية العربية، النساء ناصا (( الأسواق أبغض البقاع إلى الله
لأنها أماكن تعج بالفتن وتموج بالمجن، والشيطان ناصب رايته فيها، فكلما كان ذهابك إليها أقل
كان ذلك أفضل ولدينك وعفتك أحفظ، فقللي من الذهاب إليها إلا لحاجة ضرورية لابد منها، ولا
تظني أن كثرة الذهاب إليها ميزة حسنة أو أنها مفخرة للمرأة كما تظنه بعض الجاهلات التي
تفاخر بانها ذهبت للسوق الفلاني وإشترت من المحل الفلاني، وأنها تذهب للأسواق مرات
متعددة، فإن ذلك إن دل على شيء فإنما يدل على جهل مثل هذه المرأة وقلة حيائها، فالسعيدة والله
من هي عن الأسواق بعيدة
إنه إنفلات تجريمي للمرأة لأن الله خلقها جميلة، وإقتصاص مجتمعي من حسنها بنزوعات
ورغبات جنسية ذكورية تعتبر (المرأة ) وسيلة إنتاج بشري يمتلكه الرجل لبناء مؤسسته
الأسرية، وبطبيعة الحال من يمتلك وحدة إنتاجية يحق له قيادتها وتسيرها كما يحلوا له. فليس
الخلل إذا في ذلك واقع على فرد ، لأن الفرد واقع في قبضة الكيان المعرفي العام، تلك القبضة
التي تحدد صيرورة المجتمع ككل وتغرس المفاهيم الاجتماعية بعقول أفراده من الجنسين معا،
هذا الكيان المعرفي الذي يحتكر النصوص لتضخيم وتقديس الرجل حد العظمة والمتآثر في ذلك
بالمنظور يهودي الذي يشيئ المرأة ويختزلها في موضوع جنسي لا مفر منه ولا وقاية من
خطره والنجاة من شره إلا بجعلها حريما مرتبطا بالخيمة والأقبية المعتمة ولفها في ملحفة وسخة
تحجبها عن الأنظاروتمنعها من الأسواق. فكيف لإناس بهذه العقليات المتخلفة الظالمة أن يعبروا
بالمراة إلى كل تلك المستحدثات التي يبشرها الإسلام بها، وهم لازال متمسكين قديم سلفهم كما
وصفه الله في سورة النحل حيث قال تعالى ((وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودا وهو
كظيم، يتوارى من القوم من سوء ما بشر به، أيمسكه على هون أم يدسه في التراب ألا ساء ما
يحكمون))