العهدة العمرية
بقلم ابن الحاج محمد صالح ( رحمه الله ) عام 2007
اطلعت خلال الايام الفائتات على حلقة من سلسلة مقالات نشرتها صحيفة ( السودانى) لاحد الكتاب بعنوان توحي كل حلقاته السابقة واللاحقة عن نقاط ضعف ارتآها الكاتب في المنهج الاصولى السلفى تشوه الاسلام وشريعته .... والله سبحانه وتعالي اعلم منا بنوايا الكاتب .... الذي لم يشتهر من قبل – حسب علمي – بالفكر الاسلامى قديمه وحديثه ... ولا اعرف عنه الاعتناء بالحس الاسلامي والحساسية الاسلامية ... ولكن عنوان مقالاته يوحى بان ما يورده من اراء بعض الصحابة الكرام يعتبر من المناهج الاصولية السلفية التى عناها الكاتب بالنقد والتجريح واعتبرها مضرة بشعيرة الاسلام وشريعته .
كانت الحلقة التي قرأتها عن تصور سيدنا عمر بن الخطاب – رضي الله عنه - فيما نسبه اليه ابن القيم للعلاقة مع النصاري , ولما كانت للعهدة العمرية اكثر من رواية وان الرواية التى اختارها الكاتب تضم قيودا واضحة على النصارى , فكان من المناسب التعليق على هذه المسألة .
ان من يطلع على سيرة سيدنا عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – من مفكرين امثال العقاد وخالد محمد خالد ود. عبدالرحمن الشرقاوى يجدهم يعتمدون فى ( العهدة العمرية ) على صيغة مشهورة نصها كالآتى :-
بسم الله الرحمن الرحيم
هذا ما أعطى عبد الله، عمر، أمير المؤمنين، أهل إيلياء من الأمان.. أعطاهم أماناً لأنفسهم وأموالهم ولكنائسهم وصلبانهم وسقيمها وبريئها وسائر ملتها.. أنه لا تسكن كنائسهم ولا تهدم، ولا ينقص منها ولا من حيِّزها ولا من صليبهم ولا من شيء من أموالهم، ولا يُكرهون على دينهم، ولا يضارّ أحد منهم، ولا يسكن بإيلياء معهم أحد من اليهود.
وعلى أهل إيلياء أن يُعطوا الجزية كما يُعطي أهل المدائن. وعليهم أن يُخرِجوا منها الروم واللصوص. فمن خرج منهم فإنه آمن على نفسه وماله حتى يبلغوا مأمنهم. ومن أقام منهم فهو آمن، وعليه مثل ما على أهل إيلياء من الجزية. ومن أحب من أهل إيلياء أن يسير بنفسه وماله مع الروم ويخلي بِيَعهم وصلبهم، فإنهم آمنون على أنفسهم وعلى بِيَعهم وصلبهم حتى يبلغوا أمنهم. فمن شاء منهم قعد وعليه مثل ما على أهل إيلياء من الجزية. ومن شاء سار مع الروم. ومن شاء رجع إلى أهله، فإنه لا يؤخذ منهم شيء حتى يحصد حصادهم.
وعلى ما في هذا الكتاب عهد الله وذمة رسوله وذمة الخلفاء وذمة المؤمنين، إذا أعطوا الذي عليهم من الجزية.
كتب وحضر سنة خمس عشرة هجرية.
شهد على ذلك: خالد بن الوليد وعبد الرحمن بن عوف وعمرو بن العاص ومعاوية بن أبي سفيان." وسلمت هذه العهدة الى صفرونيوس بطرياك الروم.
ولست ادري لماذا اهمل الكاتب هذه الرواية التى رجحها كثير من اشهر الكتاب والمؤرخين ومنهم بعض المستشرقين ولجأ لرواية أخرى لم يحسنها كثير من الرواة .
يقول الدكتور يوسف القرضاوى :-
} ومن هذه الشبهات التي ضخمها المستشرقون: ما يتعلق بملابس أهل الذمة وأزيائهم، وما روي أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- اشترط عليهم ألا يتشبهوا بالمسلمين في ثيابهم وسروجهم ونعالهم، وأن يضعوا في أوساطهم أو على أكتافهم شارات معينة تميزهم عن المسلمين. وينسب ذلك إلى عمر بن عبد العزيز أيضا.
ومن المستشرقين المؤرخين من يشكك في نسبة الشروط أو الأوامر المتعلقة بالزي إلى الخليفة العادل عمر بن الخطاب؛ لأن كتب المؤرخين الأقدمين الموثوق بها، والتي عنيت بمثل هذه الأمور لم تشتمل عليها (كتب الطبري، والبلاذري، وابن الأثير، واليعقوبي... وغيرهم) وأنا مع هؤلاء.
و(الشروط العمرية) التي تنسب إلى عمر بن الخطاب، والتي شرحها ابن القيم في جزأين لم تثبت نسبتها إلى عمر بسند صحيح، وهذا ما اعترف به ابن القيم وغيره، ولكنه ادعى أن شهرتها تُغني عن ثبوت سندها. وهو ما لا نسّلمه، فكم من أمور تشتهر بين الناس -حتى بين أهل العلم منهم- ويتناقلها بعضهم عن بعض، وهي في الحقيقة لا أصل لها. فالمدار في إثبات النقول على صحة السند، وسلامته من الشذوذ والعلة. { ( انتهى كلام الشيخ القرضاوى )
اما موضوع ضرورة تميز اهل الذمة فى زيهم .. فقد رأي بعض المفكرين ومنهم الاستاذ العقاد ان المسلمين فى ذلك الوقت كانوا ( فى معظمهم ) ينتظمون في الجيوش .. مما يحتم ان لا يزاحمهم فى لبسهم احد ( لبس الجنود) , اما غير العقاد فيرى ان الملابس المتميزة هى الوحيدة لاثبات دين كل من يرتديها .. وقد لاحظ مؤرخون آخرون انه لم تكن ثمة ضرورة وقت الفتح لالزام النصاري بلبس معين اذ كان لكل من الفريقين وقتذاك ثيابه الخاصة دون جبر او الزام .
واورد مؤرخون آخرون ان معظم خلفاء المسلمين انتهجوا سياسة تسامح واخاء ومساواة ولم يتدخلوا كثيرا فى تحديد الملابس ولم ترتفع اصوات مطلقة بالشكوى والاحتجاج , وقد كان (الاخطل) الشاعر النصرانى ( المتوفى سنة 95 هـ ) يدخل على الخليفة الاموي عبد الملك بن مروان بملابسه التى يفضلها ويحسن الخليفة استقباله.
على انه ليس من المناسب موضوعيا الطعن في عادات ذلك الزمان بقياس الوقت الحاضر , فما حدث ليس امرا دينيا يتعبد به فى كل زمان ومكان ... وليس له صلة بأصول الدين ولا بالسلفية حتى يستشهد به .
ان سيدنا عمر بن الخطاب هو كما قال الرسول صلي الله عليه وسلم هو( محدث ) اي ( ملهم ) هذه الامة ... وقد نوه لذلك الدكتور طه حسين فى كتابه ( الشيخان ) حينما قرر ان اهم هدية قدمها سيدنا ابوبكر – رضى الله عنه – للمسلمين هو اختياره لسيدنا عمر بن الخطاب – رضي الله عنه - ... فليس من اللائق اسلاميا الزج بقامة من قامات الاسلام السامقة فى حديث عام ينسب الى سيدنا عمر بن الخطاب .. اضعف ما نسب اليه من روايات واغفال اقوي ما رجحه المحققون من الثقاة فى الرواية . ولعل الكاتب قد فاته ان السنة الخلق اقلام الحق .... فقد مال اشهرالمؤرخين خاصة فى العهد الحديث الى نص ( العهدة العمرية ) التى اثبتناها فى بداية هذا المقال ... فلماذا حاد الكاتب عن ما اجتمع عليه معظم كتاب سيرة سيدنا عمر بن الخطاب } انما الاعمال بالنيات {
اختم مقالى هذا بأبيات من شعر الاستاذ عباس محمود العقاد من ديوان } اعاصير مغرب {
فشت الجهالة واستفاض المنكر فالحق يهمس والضلالة تجهر
والصدق يسرى فى الظلام ملثما والزور يمشي فى النهار فيسفر
بئس الزمان لقد حسبت هواءه دنسا وان بحاره لا تطهر
وكأن كل الطيبات يردها فيه الي شر الأمور مدبر
اللهم لا تجعلنا من اصحاب العقول الضالة والنفوس المعذبة
ابن الحاج محمد صالح
]